شمول الإسلام لكل شيء
أيها الإخوة في الله، إن شرائع الإسلام لم تترك شيئا من شؤون الحياة إلا بينته من المهد إلى اللحد، ومن هنا نجد أن توجيهات الإسلام وأحكام الشريعة تدخل في تنظيم المجتمع وشؤون الإنسان، ونرى ذلك جليًا فيما أوضحه الكتاب والسنة من آداب الطريق ومجالس الأسواق وحقوق المارة. جاء في محكم التنزيل: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان: 63]، وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء: 36-38].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي قال: (إياكم والجلوس في الطرقات) ، قالوا: يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله :(فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه) ، قالوا: وما حقه؟ قال: (غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) متفق علية.
من آداب الطريق.
عباد الله إن الإسلام لم يتركنا هملاً، فلقد وضح لنا كل شيء؛ كيف تمشي بين الناس، وكيف ترد على سفهائهم إذا خاطبوك، وفي حديث أخرجه الترمذي عدّ النبي من أبواب الخير: ((تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك الرجل الرديء البصر لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)).
وهكذا، فعباد الرحمن والذين هم خلاصة البشر يمشون في الطريق هونا، لا تصنع، ولا تكلف، ولا كبر، ولا غرور، مشية تعبر عن شخصية متزنة ومطمئنة، يظهر كل ذلك في مشي صاحبها، متبعًا ومتأسيا بالقدوة الأولى محمد صلى الله عليه وسلم، فهو غير صخَّاب بالأسواق، حين يمشي يتكفّأ تكفيًا، أسرع الناس مشية وأحسنهم، هكذا وصفه الواصفون، ولا يمشي في الأرض مرحا.
يُضَم إلى ذلك ـ أيها الإخوة ـ غض البصر، وهذا حق لأهل الطريق من المارة والجالسين؛ بأن تحفظ حرماتهم وعوراتهم، ففي ذلك صيانة للمرء في دينه ونفسه، ورد السلام فيه استجلاب للمحبة وإشعار بالأمان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها إقامة الدين، وكل ذلك واجب شرعي مفروض على المسلمين جميعًا العمل به، وهو أكثر وجوبًا لمن يتخذ الطريق مجلسًا.
فضل إماطة الأذى عن الطرقات.
ومن أعظم أداب الطريق إماطة الاذى فحينما طلب أبو برزة رضي الله عنه من رسول الله أن يعلمه شيئًا ينتفع به قال: ((اعزل الأذى عن طريق المسلمين)) ، وفي خبر آخر: ((بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على طريق فأخَّرَه فشكر الله له فغفر له)) ، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((عرضت عليّ أعمال أمتي، حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن)) رواه مسلم.
وكل هذا الثواب العظيم لمن يكفّ الأذى عن المسلمين، فكيف تكون العقوبة لمن يتعمد إيذاء الناس في طرقاتهم ومجالسهم؟! أخرج الطبراني من حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه أن النبي قال: ((من آذى المسلمين في طريقهم وجبت عليه لعنتهم)) ، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: ((اتقوا اللعانين)) ، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: ((الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم)). ومعنى ذلك: النهي عن قضاء الحاجة في الطريق الذي يسلكه الناس أو في الظل الذي يستظلون تحته من حرارة الشمس، وأن من فعل ذلك فهو مستحقّ للعنة والعقوبة؛ لأنه يؤذي الناس و يحرمهم المرور في الطريق، فيدعون عليه باللعنة.
التحذير من أذية الناس في طرقاتهم.
فاتقوا الله يا من تؤذون الناس في طرقاتهم وفي الشوارع، كفوا أذاكم واحترموا حق إخوانكم من المشاة والمارين، واتقوا اللعنات التي قد تصيبكم لأن النبي قال: ((من آذى المسلمين في طرقاتهم وجبت عليه لعنتهم)) والأذى كلمة شامله لكل ما يؤذي المارة كالحجر والعظم والنجاسة والزجاج وحفر الحفر في الطرقات أو إيقاف السيارات على مداخل المساجد أو العمارات. ومن أذية المسلمين أيضًا مخالفة سائقي السيارات لأنظمة المرور وأصول القيادة؛ كالسرعة في الشوارع الداخلية بين الإحياء؛ مما يؤدي إلى حوادث تذهب فيها أرواح بريئة أو تتعطل فيها أعضاء أو حواس، وكل ذلك مردّه وسببه السرعة وعدم إعطاء الطريق حقه. وقد تساهل كثير من الناس اليوم في هذا الأمر، فصاروا لا يبالون بأذية الناس ونسوا أو تناسوا ما في ذلك من الوعيد والإثم، وقل أن تجد من يحتسب الأجر فيزيل هذا الأذى أو يتسبب في إزالته بكلمة طيبة مع من يقوم بهذه الأذية؛ لأن الناس لا يحبون التحدث في مواضيع لا تخصّهم مباشرة، وهذا ليس من الإسلام في شيء.
فالواجب ـ أيها الأحبة ـ التعاون فيما فيه مصلحة عامة، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2]. ولقد لعن الله بني إسرائيل لأنهم لا يتناهون عن المنكرات ولا يتناصحون فيما بينهم، قال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة: 78، 79].
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ في أنفسكم وفي إخوانكم، واحترموا حقوق المسلمين، واجتنبوا أذيتهم والإضرار بهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 58]. والتزموا بآداب دينكم، واحفظوا حقوق إخوانكم، وكف الأذى عن الطريق من أبرز الحقوق وأهمها